يمثل الشعر النبطي ملمحًا من الحياة في شبه الجزيرة العربية منذ القرن السادس عشر، وربما من قبل هذا التاريخ بكثير. وفي عصور معينة، كان هذا النوع من الشعر يمثل السجل الوحيد للأحداث التاريخية والمعاصرة، وقد تناقلت الأجيال قصائد الشعر النبطي، بصورة شفوية في البداية.

يسلط الشعر النبطي الضوء على إبداع سكان الخليج العربي ويمثل جذورهم التي تمتد في هذه الأرض. وهو لهجتهم اليومية، وهو لهجة قوية تختلف إلى حد ما عن العربية الفصحى. وربما كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب الرئيس ورئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة وحاكم دبي، هو أشهر رواد الشعر النبطي في عالم اليوم. وطالما قال سموه: إن الشعر النبطي ينبغي أن يدرس بقوة لكي يتم الحفاظ عليه.

التعريف: 

يعرف الشعر النبطي أيضًا باسم "الشعر الشعبي" و"الشعر البدوي". ويعتبر هذا الشعر من أكثر صور الأدب الشعبي ثراءً، كما يعتبر مرآة لواقع الحياة اليومية. ويمتاز الشعر النبطي بتفرد أسلوبه؛ نظرًا لبنيته ومضمونه وأهميته الأدبية ووظيفته الاجتماعية وقيمته التاريخية.

والشعر النبطي سجل للماضي وللأعراف التاريخية؛ كما يصور المواقف التي واجهتها دول الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية قبل تطورها في العصر الحديث.

لماذا سمي بالشعر النبطي؟ هناك نظريات عديدة حول أصل هذه التسمية، منها أن هذا الأسلوب الشعري قد نشأ في موضع يسمى "نبط" بالقرب من المدينة. وتوجد نظرية أخرى تقول؛ إنه عندما بدأ العرب يتفاعلون مع الثقافات والشعوب الأخرى، تم استيعاب كلمات وسمات لغوية معينة في العربية الفصحى لتنشأ صورة جديدة من اللغة. وقيل عن هؤلاء الذين يتحدثون هذه الصورة من العربية المطعمة بمفردات أجنبية: إنهم يتحدثون "النبطي"، والتي كانت تعني في هذا السياق بالذات "الأعجمي".

وأكثر النظريات المقبولة شيوعًا هي تلك التي تقول: إن مصطلح "النبطي" مشتق من الكلمة العربية "نبط" والتي تعني "ينبع من" أو "يشتق معنى كلمة من أخرى". فعندما بدأت القبائل البدوية في الجزيرة العربية تهاجر من مواطنها تغيرت لهجتها أيضًا حيث تحولت قليلاً عن الفصحى لتصبح لهجة قبلية. ومن الطبيعي أن شعرهم قد تبنى هذه اللهجة المشتقة، ومن هنا فمن المحتمل أكثر أنه قد أصبح يعرف باسم "الشعر النبطي".

الأسلوب:

لعل أبرز السمات التي يتميز بها الشعر النبطي عفويته؛ إذ عادة ما يكون مباشرًا وثابتًا في تركيبه. ولا يعني ذلك أن جودته أدنى من جودة شعر الفصحى أو أن القصائد يتم نظمها على عجل ودون تفكير؛ بل يعني ببساطة أن ناظمي الشعر النبطي كانوا يحاولون خلق أسلوب بسيط يجمع بين النزعة الفنية والوضوح والمباشرة في التعبير. وسمات هذا الشعر تعكس سمات البدو القدماء. وقد تناقلت الأجيال هذا الشعر بنفس الطريقة الشفوية التي كان يُتناقل بها في العصور القديمة. وقد ضمن هذا الشعر نجاحه وبقاءه بفضل بساطة وعفوية أسلوبه

الموضوع:

يتعامل الشعر النبطي مع جميع الموضوعات التي يتناولها الشعر العربي الكلاسيكي. ومن هذه الموضوعات:

الفروسية - للفروسية أهميتها البالغة في الشعر النبطي؛ حيث تمثل القصائد التي تتناول الفروسية أكبر مجموعة شعرية تتناول موضوعًا معينًا. ويبدأ معظم ناظمي الشعر النبطي تجربتهم الشعرية بنظم قصيدة عن الفروسية

الفخر والثناء - ويمثل ثاني أهم موضوع يتناوله الشعر النبطي بعد الفروسية. وتتمركز الحياة البدوية حول أعمال القبيلة. ولا يستطيع أي بدوي حقيقي السفر أو العيش أو الدفاع عن نفسه بمفرده، ولا يتمنى ذلك. ويعد الولاء والإخلاص لقبيلته والرغبة في لم الشمل من أهم سمات البدوي. وعندما يتناول الشعراء الفخر والثناء في قصائدهم؛ فإنما يكون ذلك للتعبير عن فخرهم بقبيلتهم ومديحهم لهم وليس لأنفسهم. وينادي الشعراء بالوئام بين الناس.

المديح - يتميز المديح في الشعر النبطي بالثناء والمبالغة، أي أن الشاعر يبالغ في وصفه لأفعال الشخص. وقد مثل ذلك مصدرًا لإلهام كثير من الزعماء والأمراء ودفعهم إلى تحقيق أمور عظيمة على أمل أن تخلدهم القصائد في ذاكرة شعوبهم.

الهجاء - وهو نقيض المديح، وبإمكان المرء أن يجد أمثلة للهجاء في الشعر النبطي وإن كانت نادرة للغاية.

النصيحة والحكمة - تعد المشورة والنصيحة من أهم مظاهر الحياة البدوية. ويقال: إن البدو في الماضي كانوا يكافئون النصيحة الجيدة بجمل. ويقدم الشاعر النبطي نصائحه للمجتمع ككل من خلال تجاربه الشخصية.

المجتمع - من الطبيعي أن الشاعر يعاني من نفس المشكلات اليومية التي يعاني منها باقي أفراد المجتمع. ويستطيع الشاعر من خلال شعره أن يحدد الجوانب السلبية والجوانب الإيجابية ويحارب الجشع والجبن وغيرها من العيوب.

الوصف - إن شغف الشعراء الأنباط بالطبيعة، ولاسيما بالرمال وكثبان الصحراء، يحفز خيالهم الخصب، ويتمكنون - بفضل ثراء مفرداتهم - من تصوير لوحة فنية بأدق تفاصيلها. ومن يسمع قصيدة من الشعر النبطي الوصفي يستطيع أن يتخيل نفسه وقد انتقل إلى عين المكان الذي يصفه الشاعر.

الأمثال - تحتوي معظم قصائد الشعر النبطي على أمثال، ولاسيما قصائد الشعراء الكبار الذين يريدون تأكيد معاني كلماتهم بالصور المفعمة بالألوان والتي تتميز بها الحكمة الشعبية.

السردي - لطالما كانت القصيدة السردية جزءًا من الشعر النبطي. والأسلوب الذي يتفرد به الشعر النبطي يتناسب بامتياز مع قص القصص؛ حيث يكون الشاعر هو الراوية. وكثير مما يعرفه المؤرخون عما وقع من أحداث في الماضي في شبه الجزيرة العربية إنما استقوه من قصائد الشعر النبطي.

الألغاز - لقد اعتبرت الألغاز جنسًا مستقلاًّ من أجناس الشعر النبطي منذ نشأته. وقد نظم جميع من كتبوا الشعر النبطي تقريبًا هذا الشكل الشعري في وقت من الأوقات. والشيخ محمد من أشهر من ينظمون الألغاز، ويُقبل الناس من مختلف أنحاء العالم على الإجابة على ألغازه.

المعارضة - ويقصد بها تقليد الشاعر لأسلوب شاعر آخر، بمحاكاة موضوعه الشعري أو بنيته أو مفرداته. وعادة ما يتم نظم هذا النوع من القصائد لبيان إعجاب الناظم بالشاعر الذي يعارضه واستعراض قدرات الناظم الفنية.

الملحمي - والملحمي موضوع حديث في الشعر النبطي أدخله مؤخرًا الشيخ محمد في قصيدته "ملحمة الإمارات".