
ألقى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، على هامش زيارته لمملكة البحرين، كلمة في طلاب جامعة الخليج العربي بمناسبة حفل تخريج نحو 600 طالب وطالبة من خريجي كلية الطب والدراسات العليا في هذه الجامعة، واحتفالها بالتزامن بيوبيلها الفضي، قال فيها:
بسم الله وبحمده
أرض دلمون وتاريخ العُلا وأوائل المجد والقوم الكرام
أهلها أهلي وشعبي شعبها ولها عندي قديـم الاحترام
أنا قبلت الدعوة لعدة أسباب في هذا المحفل العلمي، أولها: أنا عايشت ولادة هذه الجامعة، وتعثَّرت، وَجدَت صعوبات كثيرة، تغيير المكان من مكان إلى مكان، وضعف الميزانية، ولكن الحمد لله مادام أن القائمين عليها كانوا متفائلين وصبورين فقد وصلنا لهذه المرحلة، لقد كانت تحتضر بين الموت والحياة، ولكن الحمد لله وصلت.
والسبب الثاني أنها تعطيني فرصة أن "أشوف" أخي وصديقي الملك حمد، ملك البحرين، و"أشوف" كل إخواني الذين أعْرفهم، سواء في الحكومة أو القطاع الخاص، "وشوفتكم أنتم اليوم بالدنيا".
وبالنسبة لي هذه الجامعة مثال ناجح للعمل الخليجي المشترك، وياريت يكون عندنا أمثلة مثل هذا المثل، أننا نتعاون مع بعض في مشاريع كبرى، وأنا يفرحني اليوم إني "أشوف" طلبة من كل دول الخليج، وهذا إنجاز، إنه إنجاز عظيم.
العلم لا يتوقف، والذي نراه جديداًَ اليوم يصبح قديماً بعد حين، عند آبائنا هذه الشهادة "الشهادة الجامعية" كانت آخر المطاف، لكن أنا أبشركم أنتم أنها أول بداية تعليمكم، لأن التعليم دائماً مستمر، حتى الدكاترة والمحاضرين والمعلمين لابد أن يطوروا أنفسهم ويتعلموا دائماً، أو يتراجعون ويصبحون لا يفيدونكم أنتم. فالعلم مستمر ولا يتوقف، فلذا أريدكم أن تكونوا متفائلين، لأن التفاؤل يعني الفرص.
يقول أحد ما : إنني أريد فرصة، لا، لأن الإنسان ينتزع الفرص انتزاعاً، والفرص "تروح" للمستعد لها، وأنتم أمامكم الآن، بعد انتقالكم من الدراسة النظرية إلى العملية - كما يسميها بعض الناس - صعوبات، وأنا أسميها تحديات، ولأنه لا يوجد شي صعب، كلها تحدٍ، وإذا أخذت الشيء بالتحدي فأنت قادر عليه، وإذا أنت دائماً تتطلع للأشياء الإيجابية ستصل إليها.
ذكرتني "حارث البحر" كنت أنا أتكلم عن نفس المشروع، فقال لي أحدهم: "يا شيخ محمد أنت غلطان في هذا، الأمم المتحدة واليونسيف كلهم فشلوا في هذا، فكيف أنت؟ أنت مثل الذي يحرث في البحر"، فطلعت إليه وقلت له: صراحة أنت ما قلت هذه الكلمة إلا لأنك فشلت، مجرد قولك هذه الكلمة يعني أنك فشلت، فلا تكونوا أنتم مع الفريق الذي يقوم بهذه المهمة.
ففكرت وقلت له: بالطبع نحن حرثنا البحر، فآباؤنا وأجدادنا "جابوا" اللؤلؤ، وحرثنا البحر، وصنعنا جزر العالم، فالبحر فيه خير كثير، فلا يتوقف الإنسان عند شيء.
فالتعليم مستمر، مثلاً الآن، أنتم في الطب تعرفون أن ثمة أمراضاً مستعصية اليوم، مثل السرطان والشلل، وحتى الضغط والسكري، لكن في المستقبل سيكون العلاج، علاج سريع. فكيف نحن نتماشى مع هذه الحياة، نتماشى معها بالتعليم المستمر، نحن إلى اليوم نتعلم.
إحدى الخريجات مثلكم، سألتني في جامعة من جامعات الإمارات، وكان سؤالاً لطيفاً، قالت لي: محمد هل أنت عندما كنت في عمرنا حلمت بالذي "صار ويصير"؟ فأوقفتني، وتراجعت وتذكرت أول سفر وأنا كنت صغيراً مع الوالد إلى أوروبا، نعم قلت لها أنا حلمت، لما "رحت" إلى أوروبا، كنت أقول: ترى متى نقدر نحن نضاهي هؤلاء ونواكبهم، وأنا حملت حلمي طوال حياتي، والقليل القليل الذي أنجزناه، والكثيرهو في الطريق إن شاء الله.
قرأت بيتاً شعرياً يقول:
إن الحديقة لا خيار لهـــا إن أينعت شوكاً وأغصانا
فقلت بالطبع الحديقة لها الخيار:
إن الحديقة والخيار لهـــا إن بذرت خوخــا ورمانا
فالخيار عندكم، فالإنسان إذا زرع زيتوناً "يطلع" زيتون، وإذا زرع شوك "تتقطع" أياديه، فهذا هو الإنسان.
أنا صرت، لكثرة التحديات التي مرت عليَّ، أحب التحديات، واليوم الذي ليس فيه تحدٍ يصيبني ملل فيه، فدائماً أجد الحلول، ليس هناك شيء صعب، والوقت يقولون إنه من ذهب، وأنا أقول: الوقت يمر سريعاً مثل النهر، لا يمكن أن تدعس فيه على نفس الماء مرتين، والنْهر يعطينا مثالاً: إنه ليس هناك صعوبة، لأنه بتعرجاته إذا جاء عند عصا كبيرة لف، وإذا جاء عند جبل لف، ويصل إلى غايته، وهي البحر.
وبالطبع أنتم "بتشفون" أناساً، ربما يكلمونكم بالاحباط، وإنه ما يصير وما يستوي، وهذا الذي يقول لك إنه "ما يصير وما يستوي"، فهو فاشل، فإن شاء الله أنتم ما تكونون مثلهم.
أنا دائماً أقول لإخواني الذين يجلسون معي: الإيجابيات والسلبيات في هذا الكون، والكون خلقه الله، والله يعطيك ما تريد، فإذا أنت طلبت أنك تكون سلبياً وأردت لنفسك الفشل، فالله يعطيك إياه، وإذا أمنت بالله وطلبت الخير والسعادة والنجاح، يكون لك ذلك، وأظنكم أنتم اليوم وصلتم لهذه المرتبة، لكن الآن عندكم المرحلة الثانية، الآن أنتم انتقلتم من النظري إلى العلمي، والعلمي "تريد" تجارب الحياة، الاحتكاك بالحياة، بالعمل المستمر، بالتعليم، فأنا اليوم أتعلم، فمتى ما قال الإنسان إنني عرفت كل شيء اصابته المعصومية وتراجع إلى الوراء.
نحن إخوانكم في دولة الإمارات بقيادة أخي الشيخ خليفة بن زايد، رئيس الدولة، نسابق الريح، لا بل نسابق الزمن لتطوير التعليم، لأننا نؤمن الآن أن كل شخص يجب أن يكون عنده علم حتى يواكب التطور في هذا الشيء.
فالحياة فيها تحديات كثيرة، ويجب علينا مجاراتها، فالعلم هو أهم شيء، الآن فيه اصطلاح ربما سيفاجئكم، وهو "ما بعد الحداثة"، ربما يفاجئكم بقوة، وفي مرحلة "ما بعد الحداثة" أظن أن الأمور على ضفتي الاطلسي سوف تتغير، ولن تكون على نفس الأمور التي هي عليها الآن.
العلم والتعليم المستمر لا يدفعنا إلى نسيان عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا العربية الإسلامية الأصيلة، فلابد أن نتمسك بهذا ونتمسك بذاك، ومؤسسة محمد بن راشد مستعدة للتكفل بأي شخص هذه الدفعة يريد إكمال تعليمه، سنساعده في إكمال تعليمه إلى الآخر.
أما الذي يريد إكمال حياته في الشغل، فبعد اكتفاء البحرين، نحن نعرض عليكم كلكم المجيء للإمارات.
والسلام عليكم.