
شدد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي وزير الدفاع، في كلمته الافتتاحية لمنتدى القيادات العربية الشابة المنعقد في دبي، على أهمية إعداد الشباب العربي وتدريبهم وتأهيلهم وزرع الثقة في نفوسهم حتى يكونوا عدة وقادة المستقبل في بلدانهم، وقال سموه:
"بدون قيادات تختزن مقومات القادة وخصالهم، فإن الصلاح في العالم العربي سيكون دون المستوى المأمول، وستكون الحصيلة إعادة إنتاج نماذج الفشل والإخفاق في جميع الميادين.
من هنا، حرصنا في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ البدايات على إعداد القيادات ودفعها إلى مواقع المسؤولية، وهي تشارك اليوم، ليس فقط في إدارة مسيرة التنمية، بل أيضاً في إعداد صفوف جديدة من القيادات الشابة.
ومن هنا أيضاً، يأتي اهتمامنا بالمنظمة العربية للقيادات الشابة، وحرصنا على دعمها لكي نتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة منها، فدور القيادات يقرر في النهاية إمكانية النجاح من الفشل، في السياسة كما في الاقتصاد، وفي التعليم كما في الرياضة، وفي أوقات اليسر وأوقات العسر، وفي زمن الحرب وزمن السلم.
وكما تنال القيادات ميزات المناصب، ومجد الإنجاز والفوز والانتصار، تتحمل أيضاً مسؤولية الإخفاق والفشل والهزيمة.
وبالنسبة لنا في العالم العربي، فإن التقييم الموضوعي لحصاد السنوات والعقود الماضية، يلقي على كاهل القيادات المعنية مسؤولية وقائع الفشل وتواضع الإنجازات.
لا نريد لهذا الفشل أن يتكرر، بل ليس مسموحاً له أن يتكرر، وليس مقبولاً تبريره بقلة الإمكانيات أو بكثرة التدخلات الأجنبية، لأن في ذلك وصفة للخمول والكسل والإمعان في التقصير، فجدارة القيادة تمتحن في الأوقات الصعبة، خصوصاً وأن الناس في العالم العربي لم يتأخروا يوماً عن البذل والعطاء وأداء الواجب وتلبية النداء، وتحملوا أكلاف أخطاء القيادات الناجمة عن الضعف والشللية والفساد، ولم يعد بإمكانهم أن يتحملوا أكثر، أو يصبروا أكثر، وهذا ما يفسر حالات القلق والتوتر والاحتقان في بعض المجتمعات العربية.
الأخوات والإخوة..
على الرغم من الحصاد المر للحقبة الماضية، فإن إشارات التغيير والإصلاح قد بدأت تظهر في معظم البلدان العربية، مما يقدم لكم وللأجيال العربية الشابة فرصة التحرر من الخيبة والإحباط واليأس، عليكم تعزيز هذه الإشارات، لأن العمل للمستقبل يتطلب نفسيات سوية، وتفاؤلاً وثقة بالذات، وأملاً في تحسن الأحوال، وتحقيق الأهداف المستندة إلى الواقع، وليس إلى قوالب نظرية تجاوزها الزمن، أو شعارات هائمة في عالم الأوهام وأحلام اليقظة.
لا بديل لكم عن الفهم الواقعي للعالم، ومتابعة مستجداته الكثيرة، ومواكبة انتقاله السريع نحو عولمة الاقتصاد والأسواق، وما يترتب على ذلك من آثار سياسية واجتماعية وثقافية، مدركين أن الأقوياء اقتصادياً أقوياء سياسياً، وأن الضعفاء اقتصادياً مهمشون سياسياً وثقافياً وحضارياً.
الأخوات والإخوة..
نتطلع عبركم إلى نخبة من القيادات الملتزمة بأساليب عمل أفضل، وشجاعة تتحدى السائد والنمطي، وشفافية تواجه الفساد والإفساد، وإيمان عميق بأن المستقبل يكمن في التغيير والإصلاح، عليكم أن تصلوا إلى أبعد من الحدود المألوفة، وأن لا يحبطكم أي إخفاق عن المحاولة مرة أخرى، وأن تبادروا دائماً، لأن من ينتظر اللحظة التي تتحسن فيها الأوضاع، لن يبدأ أبداً.
ولكي تكونوا كذلك، لا بديل لكم عن فريق العمل القوي، لا تخافوا من الأقوياء، بل خافوا من الضعفاء والمترددين.
يحضرني هنا المثل الأجنبي، الذي يقول: من الأفضل أن يقود الأسد قطيعاً من الخراف عن أن يقود خروف قطيعاً من الأسود، وأنا أقول: من الأفضل أن يقود الأسد قطيعاً من الأسود، أما الخراف فإنها قطيع سهل القياد.
أريدكم في ملتقى القيادات العربية الشابة أن تكونوا أسوداً، وأن تعملوا على قيادة أسود، فالقائد الناجح هو من يعتني بمساعديه وأتباعه، ويشجعهم ويعلمهم الجرأة والحكمة، ويبث فيهم روح الإقدام والشجاعة.
القائد الناجح، هو في النهاية فرد محدود القدرات.، ولا أحد في هذه الدنيا يستطيع الإحاطة بكل شيء، لذلك يحتاج فريقاً يساعده وينفذ رؤيته، فهل يختار القائد فريقه من المرتعشين الموافقين على كل شيء وربما المنافقين، أم يختار الأسود الذين يقوى بهم، ويقتحم الصعاب، ويقهر ما يبدو مستحيلاً؟!
وصيتي لكم أيها الإخوة أن تكونوا أسوداً، وأن تحرصوا على قيادة أسود يبادرون ويقترحون ويناقشون وينجزون.
الأخوات والإخوة..
إن ثمن القيادة هو المسؤولية، ومسؤوليتكم تتعدى أنفسكم ومؤسساتكم وشركاتهم لتصل إلى مجتمعاتكم وأمتكم، ففي النهاية، لدينا مقياس واحد للنجاح هو تحسن حياة الناس وحصولهم على احتياجاتهم المادية والمعنوية، لذلك يجب ألا يقل اهتمامكم بالقضايا العامة عن اهتمامكم بشؤونكم الخاصة.
عليكم دور في الإصلاح الداخلي في بلدانكم، بل أنتم طليعة الإصلاح وقادته، وعليكم دور في الإصلاح الفكري وتطوير التعليم والنهوض بالمرأة، ومواجهة الظواهر الشاذة كالعنف والتطرف والتكفير والتعصب، وعليكم دور في تعزيز التعاون بين البلدان العربية، فإذا كان السوق الدولي الضخم قد أصبح حقيقة واقعة، فمن الأولى رفع الحواجز بين الأسواق العربية، لزيادة التبادل التجاري والاستفادة من ميزات الحجم الكبير، أسوة بما يحدث في أقاليم العالم، من شرقي آسيا إلى أميركا اللاتينية.
الأخوات والإخوة..
الإمكانيات متوفرة والفرص موجودة، نقطة انطلاقنا هي الحاضر وهدفنا هو المستقبل، ويجب أن نقرر كيف نصنع المستقبل ونصنع التنمية، نحن أولى بصنع مستقبلنا ولدينا القدرة على ذلك، لكن من لا يستطيع المشاركة في صنع المستقبل، فعليه أن يترك موقعه لآخرين قادرين، يجب أن نخطط ونجتهد لتحقيق أهدافنا.. والله عز وجل لا يضيع جهد المجتهدين".
أرجو لكم التوفيق والنجاح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.