
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة الحضور..
أرحب بكم وبجميع أعضاء الأجندة العالمية في القمة الافتتاحية للمجالس في دبي، وبهذه المناسبة يسعدني أن أتوجه بالتهنئة إلى الشعب الأمريكي الصديق على انتخاب السيد باراك اوباما، والإدارة الجديدة، متمنياً لهم التوفيق، خاصة وأن هذه الإدارة تأتي في ظل الأزمة العالمية، التي هم أكبر المتضررين منها.
وأقول للإدارة الجديدة إن الأزمات لا تحلّ بالحروب وبالقوة وقوة السلاح.
لو ننظر إلى بعض الأزمات، مثل إسرائيل والفلسطينيين والعراق، السودان، الصومال، وكثير غيرهم، وكذلك أفغانستان، التي لا تزال تراوح محلها.
فالله خلق لنا عقلاً وعضلاً.
أفغانستان مثل الطير الذي يفكر أن يطير يوماً، ولكن الريح تقف ضده، وبدل من أن يتقدم يتراجع إلى الوراء.
لو نستعمل العقول والاقتصاد في هذه المناطق المنكوبة، والمناطق التي توجد بها الحروب: نساعد الفقراء، ونعلّم الضعفاء، لكنّا اجتزنا الكثير من هذه الأزمات، والتي صرفت عليها أموال طائلة، ربما لو صرفت على الاقتصاد الأمريكي لكان من أقوى اقتصاديات العالم. فنرجو من الإدارة الجديدة أن تفكر بالعقل.
نحن نجتمع اليوم في وقت عصيب، لكننا نجتمع في مكان فريد في المنطقة وفي العالم؛ دولة الإمارات دولة المستقبل، ونحن نجتمع هنا لنصنع التاريخ، لأن صناعة التاريخ هي ما ننجزه في المستقبل لا ما نكتبه عن الماضي.
وأؤكد لكم بأننا لن نتوقف، وقد ثبُت للجميع قدرتنا على تحويل التحدّيات والمخاطر إلى فرص نغتنمها، والاتجاه الوحيد أمام دولة الإمارات هو إلى الأمام، وإلى الأمام بأقصى سرعة.
إن الأزمة الاقتصادية في حقيقتها نتاج سياسة خاطئة، وليس نتيجة أوضاع اقتصادية صعبة، فقد أدت سياسة الاقتراض غير المضمون إلى اسعار الدائنين، ففي الغرب (أمريكا وأوروبا) يوجد ما يسمى بـ "المورغج" أو رهون الديون؛ أي يستدين أحد من بنك ويرهن بيته الذي يسكن فيه، والذي حدث أن هذه الرهون والديون صاحبتها كذلك مكافآت من أصحاب المؤسسات المالية أو من البنوك، فكل ما يأتي رئيس هذه المؤسسة أو البنك ويقول إني حصلت على رهون كثيرة، وبالطبع هذه الرهون - بيني وبينكم - غير مضمونة، يتسابق الكل على البونس أو المكافآت.
بالطبع في كلّ مكان توجد مكافآت، لكنهم أصبحوا يعدون المكافآت بمئات الملايين (مائتان، ثلاثمائة أربعمائة مليون مكافآت)، فهذا الإنسان أصبح لا يهتم بمؤسسته بقدر ما يهتم بمكافآته، وبعدما يحصل على عدة مكافآت لعدة سنين، يترك هذه المؤسسة ويصبح غير مهتم بها.
فبالطبع، بسبب هذه السلوكيات ظهرت الأزمات، ولما رجعوا إلى الواقع وجدوا أن نصف الذين رهنوا واستلفوا لا يقدرون على تسديد قروضهم، وأزيدكم من الشعر بيتاً: إنه إذا قرر أحدهم أن يأخذ قرضاً لشراء بيت بمليون فإنه يأخذ مليوناً ونصف مليون إضافية، على أساس انه قادر على العيش بهذه السلف والرهونات، لكنه عندما اصطدم بالواقع، وجد - بالطبع - أن الواقع يختلف، فهذه هي الأزمة التي وصلنا إليها.
بالطبع أنا الآن سوف انتهز هذه الفرصة لأتكلم، لأن كثيراً من الأصدقاء، الذين يملكون أموالاً كثيرة، استفسروني عمّا يجب فعله بعدما أعلن بنك "ليمان برذرز" عن إفلاسه، خاصة وإنهم هم مستشارون لنا في أمور أموالنا، فقلت لهم (سكوا التراب) واهتموا بأمور تجارتكم مثل ما كنتم في السابق، والسيولة موجودة، لكنها تريد رجوع الثقة والطمأنينة، اللتين تلاشتا بسبب ما حدث من انكماش في البنوك فقط، حيث أصبحت البنوك لا تقرض بعضها بعضاً، بسبب الخوف الذي وصلنا إليه.
كذلك يسألني أحدهم عن سبب نزول الأسهم من عشرة إلى خمسة. طيب دعها تنزل لخمسة، فماذا حدث؟ لم يحدث شيء، فهي بدأت من واحد، ومعنى هذا أن السهم هو سهم، فالسهم يطلع وينزل، وهناك سهم الصيد وسهم الورقة الرابحة وسهم الانقسام، فهذه كلها أسهم، حيث كانوا في السابق يضعون الورقة الرابحة في رأس السهم ويتركون أسهماً عدة شاغرات، فيأتي أحد ما ويأخذ السهم، فإذا أخذ الورقة الرابحة بالطبع هو السهم الرابح، والأولون كانوا يسمونه سهم "ابن مقبل"، و"ابن مقبل" كان مهما وضعوا من أسهم، فإنه لا يأخذ إلا السهم الرابح، والآن إخواننا في المضاربات في الأسهم لا يريدون إلا سهم ابن مقبل.
فالذي يدخل سوق المضاربات، يجب أن يتوقع الصعود والنزول، فهناك من يتوقع إذا نزل السهم إلى 25 اشترى، وإذا وصل إلى ستة باع، أي يريد أن يتحصل على سيولة.
وهناك مثل ثانٍ يقول "رمح الزناتي"، فالهلاليون عندما ذهبوا من الجزيرة العربية ليحاربوا في تونس، صدهم الزناتي فقاتلوه واحتلوا تونس، ومن يومها أصبح "رمح الزناتي" إشارة لما يمكن أن يصادفنا من مخاطر في تحقيق الأهداف، فالذي يدخل سوق المضاربات لابد له أن يتوقع مثل هذا الأمر.
لكن شيئاً واحداً استغرب منه، ويتعلق الأمر بأصحاب المؤسسات المالية أو البنوك العالمية عندما يتكلمون ويصرحون بأننا لم نكن نعرف عن الأزمة، لا، كنا نعرف عن الأزمة، وأنا أذكر الحضور بكلمتي في الصين قبل سنة وأكثر، حين حذرت من هذه الأزمة، وأذكركم - ولي الشرف أن أذكركم - بكلمتي في جامعة الخليج بالبحرين، حين ذكرت - إذا ترجعون إليها - أنه ستتغير الأمور على ضفتي الأطلسي، وكنت أقصد أمريكا وأوروبا، فكنا نعلم بتذبذب البورصات العالمية، وانفلات أسعار المواد والطاقة والنفط، وارتفاع المؤشرات والتضخم، وهي كلها كانت مؤشرات كنا على علم بها.
المهم، أنا لا أوافقهم بأننا لم نكن نعرف، بل كنا نعرف.
على كل، لكل شيء سلبياته وايجابياته، وأثبتت هذه الأزمة أن الاقتصاد العالمي هو عالمي حقاً، كيف؟ فأية أزمة - مثلاً - تحدث في الصين يكون لها تأثيرها في أمريكا، والذي يحدث بأمريكا يكون له تأثيره في الصين.
فقد أوصلت الرهونات العالم إلى أزمة، وكلنا يعلم أن الأزمات تصبح جزءاً من واقع دورة الاقتصاد العالمي حين لا يتم التقيد بشروط دورة رأس المال بشكل صحيح، ولو لا التدخل المنظم للدول والحكومات لكان الوضع شديد الخطورة، فقد أدت هذه الأزمة إلى حسم الخلاف حول مدى أحقية الدول في التدخل لحماية اقتصادياتها ومكاسب مواطنيها إلى الأبد، وعلى أصحاب الفكر الداعي إلى إبعاد الدولة عن هذا الدور أن يتوقفوا عن التنظير.
نحن لا نريد خلق اقتصاد موجه، لكننا نريد خلق شراكة بين القطاعين العام والخاص بما يخدم مصالح أبناء المجتمع ويحمي الاقتصاديات المحلية والعالمية.
ومع أن دول الخليج بحكم صرامة أنظمتها المالية كان الأثر عليها محدوداً، إلا أننا نعيش في قرية كونية، وما دام الاقتصاد العالمي كالجسد الواحد، فنحن باعتبارنا عضواً في هذا الجسد نتألم بآلامه.
وقد بادرنا بقيادة رئيس الدولة؛ أخي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، باتخاذ الإجراءات التي تحمي اقتصادنا الوطني، والأزمة على الرغم من تداعياتها، إلا أن الدروس والعبر المستقاة منها كثيرة، وتعتبر في حقيقتها عملية تصحيح الاقتصاد العالمي، وكما يقول المثل العربي "ربما صحة الأجسام بالعلل".
إن الإنسان هو صانع الأحداث وقائد التغيير، ونحن نجتمع اليوم لنفعل ذلك لا لنقوله، وما دام المتشائمون ينظرون للنصف الفارغ من الكوب، فلهم أقول: إن الماء في الكوب وفير.
الاقتصاد الدولي والأمن الدولي خطان متوازيان يلتقيان كلما ابتعدا.
أرجو أن تستمتعوا بوقت طيب في دبي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.