
ألقى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في ختام زيارته الرسمية لألمانيا، كلمة بجامعة برلين الحرة أمام جمع من الحضور، يتقدمهم رئيس الجامعة، والمستشار الألماني السابق؛ جيرهارد شرودر، والهيئة التدريسية، في ما يلي نصها.
بسم الله الرحمن الرحيم،،
شكراً جزيلاً على هذه الجائزة، شكراً أيها السادة، شكراً لجميع الذين فكروا في هذه الجائزة، وشكراً لهذه الجامعة الرائعة، شكراً برلين.
هذه الجائزة ليست لي فقط، ولكنها لأهل الإمارات العربية المتحدة، وأهل دبي.
إنها لسعادة كبيرة أن أتلقى هذه الجائزة باسمهم، لم أحضر أية كلمة، ولكن دعوني أخبركم قليلاً عن بلادي، نحن الدولة الأسرع نمواً في العالم، ونمونا الاقتصادي سريع جداً أيضاً.
النجاح يأتي من التخطيط الجيد والعمل الجماعي والقيادة القوية، إن القيادة القوية تدفع بخطط التنمية إلى الأمام.
إن خلفيتي التعليمية هي عسكرية، وأنا طيار حربي أيضاً.
تعود جذوري إلى شبه الجزيرة العربية، حيث تقع الإمارات العربية المتحدة ودبي، وأنا من أصول قبيلة بني ياس، وهي قبيلة قادت الكثير من القبائل الأخرى لمئات السنين في شبه الجزيرة العربية.
الناس في تلك القبائل كانوا يواجهون التحديات بشكل يومي؛ تحديات توفير الطعام ليومهم التالي، أو تحدي السير لأميال بحثاً عن قليل من الماء، لم يكونوا كأولئك الذين يعيشون قرب الأنهر والحدائق، والذين لم يسافروا كثيراً، بل بقوا في مكانهم. وقبائل شبه الجزيرة العربية هي التي حملت الإسلام إلى أوروبا وآسيا والصين وأماكن أخرى.
أود أن أخبركم بقصة أخرى، لدي مزرعة صغيرة في الصحراء، وقد غرست حولها بعض الأشجار وبعض العشب، وأنا أتحدث الآن عن السياحة، عندما أسافر وأرى السياحة في أوروبا واستراليا وأميركا وايطاليا، أفكر دائماً في السياحة وكيف نجعل الناس تأتي وتشاهد بلادنا الجميلة، وأراقب الطيور المهاجرة التي تمر بشبه الجزيرة العربية، وبعضها لا يتوقف، بل يكتفي بالعبور في أجوائنا من إفريقيا إلى روسيا، ومن روسيا إلى إفريقيا، ولقد سررت مرة عندما شاهدت هذه الطيور المهاجرة، التي عادة ما تمر بأجواء شبه الجزيرة العربية، تحط هناك، وتستفيء وتشرب الماء.
ومن هنا بدأت الفكرة، وبدأنا نزرع ونشكل العديد من الواحات بطريقة تكون أفضل لهذه الطيور من مقصدها الأصلي فتبقى معنا.
في منتصف يوم من أيام الصيف الحارة كنت متجهاً من الجميرا في دبي إلى جبل علي والمنطقة الفاصلة بينهما، كانت منطقة خالية إلا من الشواطئ الجميلة والرمال البيضاء، ولم يكن يقطنها أحد.
كنت أقود سيارتي منفرداً، ورأيت سيارة وعائلة أوروبية قرب الشاطئ، فتساءلت كيف يمكنهم أن يتحملوا هذه الشمس الحارقة ويسبحون؟
كان هناك رجل وزوجته وبنت وصبي عمرهما حوالي تسع أو عشر سنوات، اقتربت منهم واستأذنتهم بالسؤال: من أين أتيتم؟ أجابني الرجل: من ألمانيا، فسألته: أليست الشمس حارقة بالنسبة إليك؟ فأجابني: لا أنا أحب هذه الشمس، ثم أعطاني أفكاراً إضافية عما يفعله ويحبه السياح.
معظمكم يفكر أنكم تملكون ديمقراطية ونحن لا نملكها، تمارسون الديمقراطية في البرلمان والأحزاب.
إننا نملك الديمقراطية أيضاً، فعندنا هناك "المجلس"، دعوني أشرح لكم ما هو "المجلس".
"المجلس" هو المكان الذي يجتمع فيه القائد والحكماء، ويبحثون كل الشؤون، يبحثون في ما يجب أن تقوم الحكومة به وما يجب ألا تفعل.
لقد شهدت والدي والشيخ زايد وهما ينشئان الاتحاد؛ أي الإمارات العربية المتحدة، كانا يناقشان كل التفاصيل لأنهما قبل الاتحاد كانا يبحثان في ما يمكن فعله بالنسبة للقوانين المختلفة ما بين كل إمارة، وتفاصيل أخرى، وتوزيع الثروات، وكانا يتناقشان حتى توصلا إلى اتفاق وتم تشكيل الاتحاد.
إذن نحن نملك ديمقراطية.
لا يمكنكم أن تقنعوني بارتداء بدلتكم في الإمارات العربية المتحدة، وأنا لا يمكنني أن أقنعكم بارتداء ثيابي في برلين، نحن ديمقراطيون، ولدينا أمة حرة وشعب يمكنه أن يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء، شرط ألا يؤذي أحداً.
في هذه الجامعة أنتم تدرسون الكثير من الأشياء، تدرسون نتائج الأبحاث التسويقية، والأزمات الاقتصادية، التي عرفنا كيف نتحدّاها.
دعوني أخبركم بالقصة: على سبيل المثال، عندما باشرنا إنشاء "طيران الإمارات"، كانت نتائج دراسات السوق تقول إننا يجب ألا ننشئ "طيران الإمارات" لأن الشركات الكبيرة تخسر الأموال وأنتم تريدون البدء ولا تملكون أية فرصة في النجاح.
لقد أنشأنا "طيران الإمارات"، وهي الآن أكبر شركة طيران في المنطقة. لدينا مرفأ هو "ميناء جبل علي"، منذ بضع سنوات كان يتم تصنيع سفن كبيرة تصل حمولتها إلى سبعة آلاف حاوية أو عشرة آلاف حاوية، قمنا بدراسة السوق، وسألنا الشركات التي تملك هذه السفن إن كانت تريدنا أن نوسع الميناء ليستوعب هذه السفن، وكان جوابها: إنه لا داعي لذلك لأننا عبر البحر الأحمر سنحتاج لاثنتين وسبعين ساعة لنصل، وعليه سنفرغ حاوياتكم في مكان ما وتأتي سفنكم وتحملها.
جمعت فريق عملي، وقررنا السير في مشروع توسيع "ميناء جبل علي"، اليوم أفضل عملائنا هم السفن الكبيرة، التي تستوعب من سبعة آلاف إلى عشرة آلاف حاوية.
خلال حرب الخليج ارتفعت أسعار شركات التأمين بشكل كبير، جاءني الشيخ أحمد، وهو رئيس "طيران الإمارات"، وقال لي إن أسعار التأمين مرتفعة جداً، ونحن في منطقة حرب ولا أستطيع إيجاد مواقف للطائرات الكثيرة، فماذا أفعل بها؟
فكرت في الموضوع، وقلت له إنني سأقوم بتأمين كل الطائرات الآتية إلى الخليج، وإلى الإمارات العربية المتحدة ودبي، كما سأقوم أيضا بتأمين كل السفن القادمة إلى الإمارات العربية المتحدة، وما تحمله من إيران والعراق والسعودية وقطر والكويت، وبعدها يتم توزيع حمولتها على سفن صغيرة، وبهذه الخطوة تم حذفنا من دائرة "منطقة الحرب".
بإمكاني أن أعطيكم الكثير من الأمثلة، نحن ندرب "القيادات العربية الشابة"، وغيرهم من القادة في دبي، وأنا فخور جداً بهم، في يوم كنت أحدثهم عن قول أوروبي مأثور لا أتذكر أين قرأته، يقول: "الأفضل أن يقود الأسود الخراف، على أن يقود الخراف الأسود"، قلت لنفسي: إنه مثال سيىء، وقلت لهم إن على القائد أن يدرب أتباعه كي يصبحوا أسوداً وبالتالي يقود الأسد أسوداً ويعلمهم ما يعرف، ويرشدهم إلى الطريق كي يصبحوا أسوداً هم كذلك في ما بعد.
الناس يتباطأون أحياناً، على سبيل المثال عندما ينجز فريق عملي مشروعاً ممتازاً، يفكرون إنني سعيد الآن ويبدؤون في التباطؤ وأخذ فترات من الراحة، ولكنني أقول: "في كل صباح في أفريقيا يستيقظ غزال يدرك أنه يجب أن يعدو بخطوات أسرع من خطوات الأسود وإلا كان الموت مصيره، وفي كل صباح في أفريقيا، يستيقظ أسد يدرك أنه يجب أن يعدو بخطوات أسرع من أبطأ غزال وإلا سيموت جوعاً".
أقول: في الإمارات العربية المتحدة ودبي لا فرق عندي إن كنت غزالاً أو أسداً، فعندما تستفيق يجب عليك أن تبدأ بالركض.
اليوم "دبي العالمية" الموجودة في "ميناء جبل علي"، الذي قمنا بتوسيعه، تدير نحو خمسين مرفأ حول العالم في خمس وعشرين دولة، كنت أقول لشركاتنا في القطاعين الخاص والعام اعملوا محلياً، ولكن فكروا على مستوى العالم.
منذ بضع سنوات قلت لهم: انطلقوا نحو العالمية، واليوم لدينا شركات كبيرة جداً تعمر مدناً وتنجز مشاريع في شمال إفريقيا والصين، وغيرها الكثير في أوروبا وأميركا وبريطانيا، وهي تقوم بعمل جيد جداً.
قبل عامين شكلت حكومة الإمارات العربية المتحدة بصفتي رئيساً لمجلس الوزراء، وعندما قمت بذلك كانت الديون تصل لأربعة مليارات درهم للمصارف.
هذه السنة سددنا كل الديون، وقررنا زيادة في الرواتب تبلغ 70%، ونحن نبني الآن أربعين ألف فيلا.
وفي الإمارات العربية المتحدة التعليم الحكومي مجاني، والطبابة الحكومية والسكن الحكومي كذلك.
وأمامي الآن تحد بأن أجعل كل الإمارات مثل دبي وأبوظبي، انه تحدٍ كبير، لكنني أحب التحدي، وفي اليوم الذي لا أجد أمامي تحدياً أصبح حزيناً.
إن تركيزي الآن هو على قطاعات التعليم والصحة والإسكان، وبالمناسبة فنحن الأوائل في العالم لجهة الانتقال من المدارس الثانوية إلى الجامعات، وخصوصاً لدى الفتيات، والنسبة تبلغ ما بين 93 % و 94 %، وهي نسبة مرتفعة جداً، وهذا يعود لتركيزنا على قطاع التعليم.
إن دبي والإمارات العربية المتحدة يجب أن تشكل إشارة ومثالاً لكم جميعاً، وهي أن الكثير من الناس من دول مختلفة بإمكانهم العيش سوياً فيها، فعلى الرغم من أنهم يتحدرون من أعراق متعددة ويعتنقون ديانات مختلفة، إلا أنهم يعيشون في سعادة ووئام، وإذا استطعنا أن ننجز ذلك في الإمارات العربية المتحدة، فلماذا لا نستطيع إنجازه في جميع بقاع العالم؟
أود أن أمكث مدة أطول هنا... ما أود قوله هو: إن العديد من القادة يعدون، ونحن ننجز.
شكرا لكم.