
أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أن قصة بناء وتأسيس شرطة دبي، التي لم تكتب بعد، هي قصة الإرادة الوطنية والرؤية السديدة والريادة، التي تجسد مسيرة البناء والتطوير والتحديث في بلدنا الغالي، وقصة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلاً. جاء ذلك في كلمة وجهها سموه لمنتسبي شرطة دبي بمناسبة يوبيلها الذهبي، قال فيها:
الإخوة والأبناء الضباط وضباط الصف والجنود..
أخاطبكم اليوم في مناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس شرطة دبا، وهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا تستحق منا ومن أبناء وطننا الاحتفال بها والاحتفاء برجالها، فقصة تأسيس وبناء شرطة دبي، التي لم تكتب بعد، هي قصة الإرادة الوطنية والرؤية السديدة والريادة التي تجسد مسيرة البناء والتطوير والتحديث في بلدنا الغالي، وهي قصة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا، وهي قصة ترسيخ الأمن والأمان والعدالة، ركيزة الاستقرار والتنمية والحياة الكريمة، وهي قصة فريدة على مستوى العالم في علاقة الصداقة والاحترام المتبادلين بين الشرطة والمجتمع، وهي واحدة من قصص نجاح أبناء الإمارات في الريادة والتفوق والامتياز.
في مثل هذه المناسبة التي نحتفل بها اليوم بالعيد الخمسين لشرطة دبي، تحضرني الذكريات وتحضر معها الدروس والعبر، أتذكر صفحات مشرقة من تاريخ وطننا ظهرت ملامحها مع نهايات أربعينيات القرن الماضي، حين أطلق الشيخ راشد "طيب الله ثراه" أول إشارة تحديث في المنطقة باتجاهه إلى بناء المؤسسات الحكومية، فأنشأ البلدية ودائرة الجمارك والمحكمة والطابو والمستشفى، ومع حلول العام 1956 قرر إنشاء قوة شرطة نظامية تتولى حفظ الأمن والنظام في دبي.
كان إنشاء قوة نظامية للشرطة المحلية حدثاً جديداً تماماً لم تعهده المنطقة من قبل، كان في واقع الأمر نقلة تحديثية وتنظيمية كبرى في مجتمع اعتاد على تسيير شؤونه وحل مشاكله بأساليب تقليدية تناسب مجتمعاً صغيراً في عدده، بسيطاً في حياته ومعاملاته وشؤون حياته. وحين أنشأ الشيخ راشد الشرطة النظامية في يونيو من العام 1956، وكانت من 29 فرداً استقبلها المجتمع بمواقف متباينة، كانت الغالبية ترحب والقلة تنتظر وتراقب، أما المعتمد البريطاني فلم يكن متحمساً، فالحكومة البريطانية كانت قد أنشأت في العام 1951 قوة كشافة عمان لخدمة مصالحها في عموم المنطقة من دون أن يكون لها دور في الأمن العام الداخلي لأية إمارة.
مضى الشيخ راشد في قراره ونفذه، واخذ جهاز الشرطة الوليد يمارس مهامه، وبعد ستة أشهر لم يكن أمام المعتمد سوى قبول الواقع الجديد والتعامل معه، فكتب لحكومته موصياً بتعيين قائد بريطاني لقوة الشرطة ومساعدتها في التنظيم والتدريب.
الإخوة والأبناء..
كان إنشاء الشرطة النظامية حدثاً بارزاً في تاريخ دبي، وكان الإشارة الأقوى التي تؤكد تصميم الشيخ راشد على استكمال بناء المؤسسات الحكومية الضرورية لقيادة مسيرة التطور في بيئة آمنة مستقرة يسودها النظام وحكم القانون، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت دبي أكثر أماناً واستقراراً، وبات الأمن يكسب مساحات جديدة في المنطقة بأسرها، فقد اقتدت إمارات أخرى بدبي وبادرت إلى إنشاء شرطتها المحلية".
وبالنسبة لي شخصياً، فان الذكرى الخمسين لتأسيس شرطة دبي تحمل معاني خاصة جداً، فمن هذه السنوات الخمسين كان لي شرف قيادة شرطة دبي منذ 38 عاماً، عايشت خلالها الرجال والسلاح، وسهرت على تكوين الضباط والجنود حتى تمكنت في وقت مبكر من إحلالهم في كافة المواقع القيادية، ورافقت تطور هذا الجهاز يوماً بيوم، وسرت به ومعه إلى ما هو عليه اليوم من كفاءة وعطاء ومكانة تضاهى اعرق أجهزة الشرطة في العالم.
وخلال مسيرة العمر هذه سعدت بزمالة رفاق السلاح الذين شاركوا في التأسيس والذين أكملوا المسيرة، وعرفت الرجال ولمست الإخلاص والوفاء والعطاء والاستعداد للتضحية بالنفس فداء للوطن وحفاظاً على أمنه واستقرار وسيادة العدل في كافة أرجائه.
الإخوة والأبناء..
عبر مسيرتكم الطويلة حققتم انجازات هي موضع تقديرنا واعتزازنا، وتمكنتم من الارتقاء إلى مستوى طموحات قيادتكم وأبناء وطنكم، وكنتم دائماً العين الساهرة على أمن الناس وممتلكاتهم وحرياتهم، وأنتم دائما ذراع الوطن القوية، التي تحافظ على أمنه واستقراره، وتروع المجرمين والمتربصين وكل من يخرج على القانون.
لقد نجحتم أيها الإخوة والأبناء في جعل وطنكم آمناً لأبنائه والمقيمين فيه وزواره، مما وفر البيئة المناسبة للتنمية وجذب الاستثمارات وتطوير الأعمال وبناء صناعة سياحة مزدهرة. لقد كنتم في سباق مع أنفسكم ومع الزمن، ونجحتم في أداء المهام الموكلة إليكم بكل جدارة واقتدار.
الإخوة والأبناء..
إذا كان من حقكم علينا أن نحتفل بالعيد الخمسين لتأسيس شرطة دبي، وان نسعد بالمستوى الذي وصل إليه جهاز الشرطة، فإن من واجبنا في هذه المناسبة أن نقف مع أنفسنا لتجديد العزم على تطوير النجاح من خلال التقييم والمراجعة، واستشراف التحديات التي تواجه شرطة القرن الحادي والعشرين وعصر العولمة وعصر المعرفة، ولست في حاجة لأحدثكم عن المتغيرات الضخمة التي يعيشها عالمنا، فأنتم تدركون ضخامتها وتلمسون آثارها، فالعالم الذي تهاوت فيه الحدود والسدود ودخلت التقنية الحديثة في كل شؤونه وكل أنشطة، قوى الخير وقوى الشر فيه، يحتاج منكم إلى استراتيجيات عمل - لا تواكب فقط هذه المتغيرات - إنما تسبقها وتتحسب لكل تطبيقاتها وآثارها المحتملة في المستقبل.
الإخوة والأبناء..
ثقتي كبيرة بكم، وبأنكم أهل للتعامل بنجاح مع التحديات المصاحبة للعصر الجديد، فالتحديث والتطوير ومواكبة المستجدات والتعليم المتواصل باتت من مكونات ثقافة جهاز الشرطة، ومن تقاليده الراسخة وقيم عمله ومعايير أدائه، وسيجد منا الجهاز كعهدنا دائما كل الدعم اللازم للحفاظ على جاهزية أفراده بالتأهيل والإعداد والتدريب وتوفير احدث الأجهزة والمعدات واللوازم والسلاح.
وإذا اقتضت مناسبة العيد الخمسين تخصيص حديثي عن شرطة دبي، فان حديثي موصول بطبيعة الحال إلى جهاز الشرطة والأمن العام في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكيف لا يكون موصولاً وشرطة دبي منذ قيام الاتحاد في 2 ديسمبر 1971 جزء أصيل من منظومة الأمن في دولتنا الفتية، تشترك معها في العقيدة والأهداف، وتتفاعل معها باللحظة والدقيقة، وتؤدي دورها بالتكامل والتماثل مع كافة أجهزة وزارة الداخلية.
الإخوة والأبناء..
في مناسبة العيد الخمسين لشرطة دبي، أشكر المولى عز وجل، الذي كتب لنا النجاح وهدانا إلى سواء السبيل، وأهنىء صاحب السمو الأخ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، وأهنئكم أبناء وطني جميعا، وأهنئ كافة رتب وزارة الداخلية وشرطة دبي القادة والضباط وضباط الصف والجنود.
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".. و"كل عام وانتم بخير".